أكثر ما يعذبني في حبك
أنني لا أستطيع أن احبك أكثر ..
وأكثر ما يضايقني في حواسي الخمس
أنها بقيت خمساً .. لا أكثر ..
إن إمرآة إستثنائية مثلك
تحتاج إلى أحاسيس إستثنائية ..
وأشواق إستثنائية ..
ودموع إستثنائية ..
وديانه إستثنائية ..
لها تعاليمها ؛ وطقوسها ؛ وجنتها ؛ ونارها .
* * * *
إن إمرآة إستثنائية مثلك ..
تحتاج إلى كتب تكتب لها وحدها
وحزن خاص بها وحدها
وموت خاص بها وحدها
وزمن بملايين الغرف ..
تسكن فيه وحدها
لكنني واأسفاه ..
لا أستطيع أن أعجن الثواني
على شكل خاتم أضعها في أصابعك
فالسنة محكومة بشهورها ..
والشهور محكومة بأسابيعها
والأسابيع محكومة بأيامها
وأيامي محكومة بتعاقب الليل والنهار
في عينيك البنفسجيتين
* * * *
أكثر ما يعذبني في اللغة .. أنها لا تكفيك ..
وأكثر ما يضايقني في الكتابة أنها لا تكتبك ...
أنت إمرآة صعبة ..
أنت إمرآة لا تكتب ..
كلماتي تلهث كالخيل فوق مرتفعاتك ..
ومفرداتي لا تكفي لاجتياز مسافاتك الضوئية ..
معك لا توجد مشكلة ..
إن مشكلتي مع الأبجدية ..
من ثمان وعشرون حرفاً ؛ لا تكفيني لتغطية بوصة واحدة من مساحات أنوثتك ..
ولا تكفيني لإقامة صلاة شكر واحدة لوجهك الجميل ..
إن ما يحزنني في علاقتي معك
أنت إمرآة متعددة .. واللغة واحدة
فماذا تقترحين أن أفعل ؟
كي أتصالح مع اللغة ..
وأزيل هذه الغربلة .. بين الخزف ؛ وبين الأصابع
بين سطوحك المصقولة
وعرباتي المدفونة في الثلج .. بين محيط خصرك
وطموح مراكبي .. لاكتشاف كروية الأرض
* * * *
ربما كنت راضية عني
لأنني جعلتك كالأميرات في كتب الأطفال
ورسمتك كالملائكة على سقوف الكنائس
ولكني لست راضياً عن نفسي
فقد كان بإمكاني أن أرسمك بطريقة أفضل
وأوزع الورد والذهب حول إليتيك .. بشكل أفضل
ولكن الوقت فاجأني
وأنا معلق بين النحاس .. وبين الحليب ..
بين النعاس .. وبين البحر ..
بين الخطوط المنحنية .. والخطوط المستقيمة
ربما كنت قانعة ؛ مثل كل النساء
بأية قصيدة حب تقال لك
أما أنا فغير قانع بقناعتك
فهناك مئات من الكلمات تطلب مقابلتي
ولا أقابلها ..
وهناك مئات من القصائد ..
تجلس ساعات في غرفة الانتظار .. فأعتذر لها
أنني لا أبحث عن قصيدة ما .. لإمرآة ما
ولكنني أبحث عن "قصيدتك" أنت ..!
* * * *
أكثر ما يعذبني في تاريخي معك ..
أنني عاملتك على طريقة بيدبا الفيلسوف
ولم أعاملك على طريقة رامبو .. وزوربا .. وفان كوخ .. وديك الجن .... وسائر المجانين
عاملتك كأستاذ جامعي يخاف أن يحب طالبته الجميلة ؛
حتى لا يخسر شرفة الأكاديمي
لهذا أشعر برغبة طاغية في الاعتذار إليك
عن جميع أشعار التصوف التي أسمعتك إليها ..
يوم كنت تأتين إلي مليئة كالسنبلة ؛
وطازجة كالسمك الخارج من البحر
* * * *
أعتذر إليك ..
بالنيابة عن ابن الفارض ؛ وجلال الدين الرومي ؛
ومحي الدين بن عربي ..
عن كل التنظيرات ز والتهويمات ..والرموز ..
والأقنعة التي كنت أضعها على وجهي ؛ في غرفة الحب ..
أشعر برغبة في الاعتذار إليك ..
عن غبائي الذي لا مثيل له ؛
وجبني الذي لا مثيل له
وعن كل الحكم المأثورة التي كنت أحفظها عن ظهر قلب
وتلوتها على عينيك ..
فبكيا كطفلين معاقبين .. وناما دون عشاء
* * * *
أعترف لك يا سيدتي
أنك كنت إمرآة إستثنائية ..؛
وأن غبائي كان إستثنائي ..
فاسمحي لي أن أتلو أمامك فعل الندامة
عن كل مواقف الحكمة التي صدرت عني ..
فقد تأكدت لي
بعدما خسرت السباق ..
وخسرت نقودي ..
وخيولي ..
أن الحكمة هي أسوأ طبق نقدمه
لامرآه نحبها ..
Nizar Qabany